منتديات المربد العالمية للثقافة والفن
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات المربد العالمية للثقافة والفن

يعني بالشعر والادب والثقافة والفن
 
البوابةالبوابة  الرئيسيةالرئيسية  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 قصّـــــــــــــة : لأجلـكَ لا يهمّنــــــــــــــي الرّحيــــــــــــــــــــــــــــــــل ــ بقلم الاستاذ السعيد محرش

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
Admin
Admin
Admin


المساهمات : 121
تاريخ التسجيل : 10/03/2016
العمر : 51
الموقع : https://almrbd.yoo7.com/

قصّـــــــــــــة : لأجلـكَ لا يهمّنــــــــــــــي الرّحيــــــــــــــــــــــــــــــــل ــ بقلم الاستاذ السعيد محرش Empty
مُساهمةموضوع: قصّـــــــــــــة : لأجلـكَ لا يهمّنــــــــــــــي الرّحيــــــــــــــــــــــــــــــــل ــ بقلم الاستاذ السعيد محرش   قصّـــــــــــــة : لأجلـكَ لا يهمّنــــــــــــــي الرّحيــــــــــــــــــــــــــــــــل ــ بقلم الاستاذ السعيد محرش Emptyالجمعة مارس 11, 2016 1:26 am

قصّـــــــــــــة : لأجلـكَ لا يهمّنــــــــــــــي الرّحيــــــــــــــــــــــــــــــــل
.
.
.
.
.

على تلك الرّبوة ـ الهضبة ـ المشرفة على مدينة عنابة ، الصّاخبة بحركتها الدائمة ، يقع الكوخ المتهالك لبشير الاسكافي ، بين مئات الأكواخ الفقيرة ، التي لا همّ لأصحابها الا البقاء بين الأحياء ، في خضم المعترك الدامي للحياة القاسية ، فالقضية عندهم لا تعدو أن تكون مسألة حياة أو موت ، تتطلّب كفاحا مريرا و مضنيا ، لا ينقطع الا بانقطاع تردد الأنفاس في صدورهم .
كوخ صمد أمام السّيول النّوازع ، و زمجرة الرّياح الزّعازع زمنا طويلا ، و لم تنل منه رغم شدّتها الشيء الكثير ، كما صمد من يعيش بين جنباته ، لما ترمي به الأقدار بين الفينة و الأخرى ، و تتعهّد به بني الانسان ، من فاجعات الدّهرو أهواله .
عاد بشير عشيا إلى بيته ، بخطى ثقال تجر خلفها هموم سنوات طوال خلت ، منهك البدن ، بأنفاس تكاد تنقطع ، و قد غارت عيناه و فارقهما بريقهما المعهود ، الذي اختفى تحت سحائب الحزن ، التي لبّدت سماء نفسه الصافية فجأة ، و اصفر وجهه وتلاشى ضياؤه كما يتلاشى نور الشمس عند المغيب ، و غادرته ابتسامته المشرقة التي طالما سعدت بها زوجته دليلة و ابنته لُبنى عند عودته إلى حضن بيته الدافئ .
ما إن دخل إلى الحوش حتى سقطت الأغراض من يده المرتعشة ، و تفصّد العرق البارد من جميع بدنه ، فجثا على ركبتيه ممسكا بصدره الذي مزّقته الآلام المتتالية و الأوجاع المفاجئة . تماسكت دليلة و خبأت مخاوفها العميقة ، لكي لا تزد في اضطراب زوجها و جزع ابنتها الوحيدة ، و أومأت ـ أشارت ـ لها لتكفّ عن البكاء و تكفكف دموعها الغزيرة ، دموع كانت تزيد من ألم الوالد العليل ، و تحرمه هدأة النفس و سكونها .
أخذتاه إلى فراشه و بدأت دليلة تطبّبه بالأعشاب ، لعلّها تخفف عنه و طأة المرض ، كما جرت به عادة النساء عندنا ، إذا اعتل أحد أفراد الأسرة و توعّك . باتت لبنى تتقلّب في فراشها لم يهدأ لها بال و لم تقرّ لها عين حتى مضى الهزيع الأول من الليل ، و عبراتها ـ دموعها ـ الحرّة تنسبل على خدّيها كلّما ذكرت أباها المسكين ، و ما تجرّع من آلام في تلك العشية المشؤومة ، و لم تكتحل غماضا ـ تنم ـ حتى تراقصت عرائس ضياء الصباح على وقع صياح ديكة الحيّ ، فأغفت إغفاءة صغيرة ثم نهضت فزعة تسأل عن أبيها.
أما دليلة فباتت قائمة على صحة زوجها جيئة و ذهوبا ، تتحسس حرارته و تعد أنفاسه جزعا عليه ، حتى طلع النهار، فأخذته إلى الطبيب الذي جزم بأنّ قلبه يحتاج إلى عملية جراحية عاجلة ، تتطلّب مبلغا ماليا ضخما ، يساوي ثروة في ميزان الفقراء و المعدومين ، و إن لم تُجرَ له في غضون أسبوع ، سيخسر حياته و يرحل إلى عالم الفناء .
سألت لبنى أمها بعد أن علمت بما أخبر به الطبيب : ما العمل يا أماه ، و نحن لا نملك من المال ما يفي بالغرض ؟
ـ دليلة : سأطرق يا بنيتي أبواب الأقربين من الأغنياء لعلي أدرك ضالتي عندهم ، ثم توجّهت على عجل تحث الخطى نحو المدينة تنتقل من بيت فاره ـ فخم ـ إلى آخر من بيوت أولئك المترفين ـ الأغنياء ـ ، و لم تعد الا في ساعة متأخرة من النهار .
لما رجعت استقبلتها لبنى مستبشرة بعودتها ، الا أنها سرعان ما تغيّرت سحنتها ـ هيأتها ـ لمّا رأت أمارات الحزن مرتسمة على محيا والدتها الحزينة .
ـ لبنى : مالك يا أماه ، و كأنك لم تنال ما كنت تشتهين ، صمتت دليلة برهة من الزمن ، ثم انفجرت باكية و هي تسرد لابنتها ما لاقت من نظرات شزراء و عبارات استهزاء ممن ظنّتهم الأهل و السند ، وما جادوا به في آخر المطاف سوى دريهمات على مضض ، أضافت عليها ثمن حليّها فوجدتها لا تسد الحاجة ، و لا تبلغ عشر المبلغ المطلوب .
ـ لبنى : لا تكترثي كثيرا يا أماه سنتدبّر الأمر وينجو أبي مهما كان الثمن ، ثم أطرقت و قالت في نفسها : بات لزاما عليّ أن أقوم بما ليس منه بدّ القيام به . اضطربت دليلة من نبرة ابنتها ، و لكنها سرعان ما نسيت ذلك في غمرة أحزانها تلك .
نهضت لبنى مسرعة الى غرفتها ، فأجرت مكالمة طويلة مع مجهول ثم ارتدت ملابسها و عدّلت هيأتها ، و حملت حقيبتها لتتجه الى الجامعة لإجراء الامتحانات . و قبل أن تغادر مرّت على أبيها المنهك في فراشه ، فسلّمت عليه و كان يلاحقها بنظرات الوالد الشفيق ، ليشبع عينيه منها كمودّع للدنيا ، ثم اتّجهت الى أمها فعانقتها و طمأنتها بأنّ الفرج قريب ثم غادرت .
سهرت دليلة ليلتها تلك تضرب أخماسا في أسداس ، تفكّر في ما ألمّ بزوجها ، و تبحث عن المخرج لانقاذه من الهلاك المتربّص به ، حتى عانق الكرى عينيها رغما عنها من شدة الاعياء. و لمّا أفاقت عاودتها الهموم من جديد تجوب نفسها الكسيرة ، و تعربد بذهنها المتعب أسوأ الأفكار و أحلك الوساوس .

و بينما هي غارقة في بحر هواجسها المتلاطم الأمواج ، إذ سمعت قرعا خفيفا على الباب ، فبادرت بفتحه ، فوجدت شيخا في الخمسينات من العمر بلحية خفيفة قد خطّها الشيب ، يلبس بدلة عصرية ، بادرها بالسلام و أنشأ يقول : عذرا سيدتي على الازعاج قد أبلغ صاحب الشركة التي أعمل بها أحد جرانك بمرض زوجك و ما يحتاج إليه من جراحة ، فأرسل اليك المبلغ كله و زيادة مع دعائه لزوجك بالشفاء العاجل و ناولها حقيبة الدراهم ثم رحل.
بقيت دليلة مشدوهة ـ حائرة ـ ، لا تكاد تصدّق ما رأت و سمعت ، و ظنت نفسها مازالت في الفراش تحلم حلما جميلا يتوافق و ما تتوق له نفسها ، فعادت الى الغرفة تسأل زوجها: هل هذه حقيبة أم أنا أحلم يا بشير ؟ فأكّد لها أنها حقيقة لا مراء فيها ، و طمأنها بأنّ أهل الخير و الصلاح لا تخل منهم الدنيا ولا يقفَر منهم ساح .
و ما هي الا هنيهة حتى رأت بشير قد أغمي عليه ، فنادت الاسعاف و توجّهوا به مباشرة إلى غرفة العمليات في أكبر عيادة خاصة مختصّة في جراحة القلب و الشرايين ، فأجرت له العملية التي نجحت بسلام .
كانت دليلة تهتف لابنتها فتجد هاتفها مغلقا على غير ما اعتادت منها ، و مما زاد في حيرتها و هلعها أنها لم تسأل عن أبيها منذ دخوله المشفى ، و قد مرّ على ذلك يومان كاملان . سألت عنها صديقاتها بالجامعة فأخبرنها أنها لم تلتحق بالصفوف لاجراء الامتحانات ، و أنهنّ لم يروها منذ أسبوع مضى .
لعبت الظنون بدليلة و تقاذفتها رياح الشكوك في كل واد ، و أيقنت أخيرا أنّ ابنتها هربت مع شاب مجهول تمكّن من السيطرة على قلبها ، و أكّد لها ذلك ما عثرت عليه مكتوبا على ورقة بجانب فراشها و بخط يديها ( لقد سكن حبك بين أضلعي حتى بتّ أغلى من نفسي التي بين جنبيّ و لأجلك لا يهمّني الرحيل و مغادرة الأحبّة يا أثمن ما أملك في هذا الوجود )
ناحت دليلة حتى أعياها النحيب على خسارة ابنتها ، و ضياع تربيتها و هي تقول في لوعة : أهذا جزاء أمك التي حرمت نفسها مآثر الحياة و زينتها ، لتجمّلك في أعين الناس ؟ أهل هذا الثمن الذي سيقبضه أبوك العليل ، الذي أدمت المطرقة يده من خسف النعال ، على ضفاف الشوارع طيلة سنوات عمره ، حتى أضناه المرض لأجل أن تدرسي ، و يوفّر لك الظروف لذلك ؟ منذ متى كان العار و الذل يقدَّمَان هديّة لمن أحسن و آثر على نفسه اللقمة و الكساء و الدرهم ، في أحلك الأيام و الليالي يا بنيتي ؟

ليتك ما وُلدت يا لبنى ، و ليتني متُّ قبل هذا اليوم الذي صفعتني فيه برزيّة الدهر التي لا تبرأ مهما تقادم الزمن ، لقد طعنت أباك طعنة نجلاء ـ قاتلة ـ لا يتحملها أبدا ولا يصمد أمامها طرفة عين ، و حفرت له قبره بعد أن حكمت عليه بالموت الآكد ، فكيف أفجعه بالخبر القاتل و أشاركك جرمك ؟
لازال بشير في غرفة الانعاش يتعافى ببطئ ، و يسأل عن ابنته الوحيدة و دليلة تخترع الكذبات لتطمئنه و تأخّر الخبر إلى حين.
خرجت دليلة من عند بشير تسير على غير هدى بين أجنحة المشفى ، فأخطأت الطريق و بينما هي تفتش عن المخرج ، أبصرت ذلك الشيخ الذي قدّم لها حقيبة الدراهم واقفا على جانب أحد الأسرة يعود مريضا له ، فاقتربت منه لتشكره و تسأله عن حال مريضه ، و لمّا دنت اكتشفت أنّ من كان على السّرير ابنتها لبنى ، فلم تتمالك دموعها المنسبلة و هي تتساءل في حيرة عما جرى لوحيدتها .
فتقدّم الشيخ منها و قال : هدّئي من روعك يا سيدتي سأخبرك القصة ، إنّ لي ولدا في سن ابنتك قد أصيب بفشل كلوي لا نجاة منه الا بزرع كلية جديدة له ، فطلبت في وسائل الاتصال كلها من يبيعني كلية تنقذ حياة ابني الذي لا أملك غيره بعد وفاة أخيه ، مقابل ما يشاء من المال ، فاتصلت بي ابنتك و حكت لي قصة والدها ، فعزمنا على أن نحيي أحبّتنا ، و طلبت مني أن أحتفظ بسرها حتى لو رحلت عن الحياة من أجل أبيها ، و لكي لا تنغص عيش والديها الحبيبين من بعدها ، فوعدتها بذلك .

إنّ لك يا سيدتي ابنة عظيمة تحبّ أباها حبا لا نظير له في هذا العالم ، كانت تركب الكرسي المتحرك و تزوره عند نومه خلسة بعد أن أجرى العملية ، فتبقى تناجيه من خلف زجاج غرفة الانعاش بعبارات الود و الاحترام ، و تعدد تضحياته ببكاء شجيّ يذيب القلوب حتى تبكي الأطباء و الممرضات و من حضر ، يا لها من فتاة بارة تحسدين عليها .
جثت الأم المسكينة و أخذت تقبّل ابنتها و تعانقها ، و هي آخذة بيديها و عبراتها لا تنقطع ، و تقول في حسرة على ما بدر منها : سامحيني يا صغيرتي لقد ظننت بك الظنون التي عصفت بمشاعري في لحظة من ضعفي ، خارت فيها قواي و تشتّت رشدي ، بسبب الأحزان التي اجتاحت نفسي ، كما تجتاح الأعاصير البساتين و الرياض ، فلا تبقي فيها و لا تذر، بينما كنت أنت تقتطعين عضوا من جسدك ، لترفعي عن كاهلي ثقلا هدّني ، و تشتري به الحياة لأبيك و تضحّي بزهرة شبابك لتعيدي البسمة لكلينا ، ما أقساني ما أقساني .
احتضنت لُبنى والدتها و هي تقول : لا عليك يا أماه و الحمد لله أولا و آخرا على سلامتنا جميعا ، تعجّب الشيخ من حكمة هذه الشابة ، و قال في نفسه هذه جوهرة نادرة قلّما يجود زماننا بمثلها ، و قرر أن تكون زوجة لولده و أمّا لأحفاذه ، و عرض على ابنه الأمر ، فسرّ بذلك لمّا رأى محياها الجميل ، عاشت لبنى حياة طويلة كلّها عطاء للقريب و البعيد على حد سواء ، كالبحر الزاخر الذي لا تنقضي منحه و هباته و أمست صورة للتضحية النادرة نحتتها الأقدار لتبقى أيقونة الأجيال .

السعيد محرش
الطارف ـ الجزائرـ
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almrbd.yoo7.com
 
قصّـــــــــــــة : لأجلـكَ لا يهمّنــــــــــــــي الرّحيــــــــــــــــــــــــــــــــل ــ بقلم الاستاذ السعيد محرش
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الهـــــــــــــــــــــــــــارب ــ بقلم الاستاذ السعيد محرش الطارف ـ الجزائرـ
» قصــّـــة : رسائل غرامية على الفيس بوك ــ بقلم السعيد محرش
» في دوامة ــ بقلم الاستاذ صديق وفي
» يا مصر ــ بقلم الاستاذ ابومهدي صالح
» حزن آخر ــ بقلم الاستاذ حسين عنون السلطاني

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات المربد العالمية للثقافة والفن :: منتديات المربد الثقافية - الرئيسية :: المنتدى الأول-
انتقل الى: