تابع [ 20 ] ـ ترسيم الحدود ـ
بقلم: يحيى محمد سمونة
رسالة مفتوحة إلى صديق
يؤسفني عزيزي أن أقول لك أن النظريات إنما تسمى علمية حالة كونها تتناول ببحث و دراسة دوافع و بواعث و مبررات حركة أية شيء في الوجود، و أما الدراسات و البحوث التي تتناول ماهية و كيفية و قوام و ظاهرحركة أية شيء مسخر بين يدي الإنسان فهذه لا تدخل نطاق البحوث و النظريات العلمية بل حسبها هذه أن تكون من المعرفة و ليست من العلم و تلك هي نقطة الخلاف بيني و بينك. و لا أقول لك ذلك عزيزي من قبيل معارضتك الرأي أو من قبيل تفنيد مقالتك ـ حاشا ـ غير أنني سأضع بين يديك و القراء الأعزاء الأسباب الموضوعية لما أقوله من أن النظريات العلمية إنما هي قراءة يقينية في حركة الأشياء بين يدي الإنسان
(1) النظرية هي: وجهة نظر امرئ يسعى إلى فهم صحيح و إدراك سوي لحقيقة ماهية و كيفية و قوام و حركة أية شيء مسخر بين يدي الإنسان.
و بما أن حقيقة دوافع و بواعث و محرضات حركة الأشياء لا تزال بعيدة عن مدارك بشر ، لذا يمتنع على أي فرد من الناس إجراء دراسة عليها - أي على حركة الأشياء - و بالتالي فالكلام عن الحركة لا يدخل نطاق العلم إلا ما كان من إنباء أو وحي من الله تعالى الذي أوجد حركة الأشياء فهو العليم ببواعثها و دوافعها و محرضاتها، و يتمثل دور من أراد صياغة نظرية في مسألة دوافع و بواعث و مبررات حركة أية شيء كوني أن يفهم الوحي على نحو سوي ثم يصوغ فهمه ذاك بدقة و سلامة و موضوعية و يخرج من خلال ذلك بنظرية يتحرى صحتها واقعا ثم يطرحها على أئمة اختصاص حيث يصادق أولئك عليها أو يرفضوها، فإن صادقوا عليها غدت عند ذاك نظرية علمية. فإذا قلنا مثلا: تمضي الأمور في إضفاء السعادة على قلب امرئ مطيع لربه، فهذه وجهة نظر مستقاة من فهم سوي لنصوص وحي مطهر ، فإننا نحمل وجهة النظر هذه و نطوف بها نسقطها على مسارات الأحداث في حياتنا فنجدها حقيقة واقعة لا غبشة فيها و لا يماري فيها صاحب عقل و فهم ونظر ثاقب
(2) بناء على ما سلف فإن النظريات التي قرأنا عنها في الفيزياء و الكيمياء و الرياضيات و الجيولوجيا و البيولوجيا و غير ذلك فهذه كلها نظريات في المعرفة و ليست في العلم، لأنها تنظر في ماهية الأشياء و كيفيتها و لا تنظر في الدوافع و المحرضات و البواعث المؤدية إلى حركتها، و على ذلك فهذه التي ذكرتها لكم ليست علما بل معرفة
كتب: يحيى محمد سمونة. حلب